وجهة نظر: الثغرة الاقتصادية للديموقراطية: السياسات العاجلة تهدد استقرار المستقبل - مصر نيوز

0 تعليق ارسل طباعة

اخر الاخبار العاجلة من مصر نيوز أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم

وجهة نظر: الثغرة الاقتصادية للديموقراطية: السياسات العاجلة تهدد استقرار المستقبل - مصر نيوز

مصر نيوز يكتُب.. في أبريل 2025، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية واسعة النطاق على الواردات الصينية، قبل أن يتراجع خلال 72 ساعة فقط، مستثنيا الإلكترونيات والحواسيب والهواتف، تحت ضغط من تجار التجزئة والمصنعين وحكومات أجنبية. هذا التراجع الحاد لم يكن مجرد مناورة سياسية، بل عكس ظاهرة أعمق: الصدام المتصاعد بين دورات الديموقراطية السياسية، والزمن الطويل الذي تحتاجه التنمية الاقتصادية الحقيقية.

تصرف ترامب لم يكن مجرد حساب خاطئ، بل مثال صارخ على كيف يمكن حتى لأكثر الديموقراطيات تقدما أن تُقوّض نفسها حين تفضّل الاستعراض على النتائج.

وليس الأمر مقتصرا على الولايات المتحدة فقط. من الهند إلى إندونيسيا، ومن البرازيل إلى باكستان، تقع الديموقراطيات في فخ السعي وراء التصفيق الفوري، على حساب الازدهار المستدام.

الخلل الهيكلي: حين تسبق السياسة الاقتصاد

الإصلاحات الاقتصادية الجادة تحتاج وقتا، غالبا من 10 إلى 15 عاما، أي ما يعادل جيلا كاملا، فقد استغرقت ألمانيا ما بعد الحرب سنوات لتتحول إلى قلب الصناعة الأوروبية، واستغرقت سنغافورة ثلاثة عقود في ظل قيادة لي كوان يو لتنتقل من ميناء تجاري إلى قوة مالية عالمية، أما كوريا الجنوبية فلم تبنِ اقتصادا قائما على الابتكار في دورة انتخابية واحدة، بل في رحلة امتدت 25 عاما.

لكن الديموقراطيات الحديثة تدار وفق تقويم انتخابي يمتد إلى 4 أو 5 سنوات. لا يُكافأ السياسيون في صناديق الاقتراع على بناء جسور للمستقبل، بل على الإنجازات السريعة، والدعم النقدي، والاستعراض الإعلامي. وهنا تكمن الثغرة الاقتصادية في الديموقراطية.

الولايات المتحدة (2025): إنذارات مالية ومسرحية الرسوم الجمركية

رغم أن أميركا لا تزال الاقتصاد الأكبر عالميا فإن بنيتها المالية تتهالك:

- الحرب التجارية تتجدد: بلغ متوسط الرسوم على السلع الصينية 19%، ما يُضيف مئات الدولارات سنويا على كل أسرة (معهد بيترسون، أبريل 2025).

- دوامة الدين: الدين العام الأميركي وصل إلى 34.8 تريليون دولار، ومن المتوقع أن تتجاوز فوائد هذا الدين تريليون دولار سنويا.

- ضغوط على الاحتياطي الفيدرالي: التدخلات السياسية تضعف استقلالية المؤسسة النقدية وتُقلق الأسواق.

تذبذب ترامب في قضية الرسوم ليس حادثا معزولا، بل يُمثّل اتجاهاً عاماً: زعماء يحكمون بعناوين الأخبار، لا بحسابات التاريخ.

الهند (2025): وهم النمو

رغم أن التوقعات تشير إلى نمو بنسبة 6.8% فإن الأرقام تخفي واقعا هشا:

- إنفاق انتخابي مفرط: السياسات الشعبوية رفعت العجز إلى 6.1% من الناتج المحلي.

- بطالة بين الشباب: لا تزال تفوق 21% رغم أرقام النمو.

- ضغط سياسي على البنك المركزي: محاولة خفض الفوائد قبل الانتخابات تهدد استقرار الأسعار.

نمو الهند حقيقي، لكنه هش. الشعبوية تكسب الأصوات، لكنها تُؤجّل الإصلاحات التي يحتاجها شباب البلاد بشدة.

إندونيسيا (2025): دعم شعبي على حساب الاستقرار

بعد الانتخابات، أعادت الحكومة دعم الوقود والأرز وزيت الطهي، ما رفع العجز المالي إلى 3.2%.

ورغم انضمام البلاد إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) تراجعت ثقة المستثمرين بسبب تقلب السياسات في قطاعات التعدين والتكنولوجيا.

الدعم يُكسب الشعبية، لكنه يُفقد الثقة، ويهزّ المصداقية على المدى البعيد.

باكستان (2025): ديموقراطية على أجهزة الإنعاش

انهيار باكستان يُثير القلق لكنه أيضا يحمل دروسا:

- التضخم: يقترب من 29%.

- أزمة عملة: فقدت الروبية 35% من قيمتها منذ 2024.

- الإنقاذ رقم 24 من صندوق النقد: في مارس 2025، حصلت باكستان على حزمة إنقاذ جديدة، ضمن سلسلة مستمرة تعكس اعتمادا مَرَضِيا على الخارج، تغذّيه الفوضى السياسية.

هكذا تبدو الديموقراطية حين تُمارس بلا مسؤولية اقتصادية.

البرازيل (2025): الشلل وسط الإمكانات

رغم مواردها الطبيعية الهائلة، تعاني البرازيل من التباطؤ:

- دين عام: يتجاوز 91% من الناتج المحلي.

- نمو متواضع: لا يتجاوز 1.2% في 2025.

- شلل إصلاحي: الاستقطاب السياسي يُعطّل إصلاحات التقاعد والضرائب وسوق العمل.

البرازيل تُثبت أن الثروات الطبيعية لا تكفي لإنقاذ الديموقراطية حين يغيب التوافق السياسي.

الخيط الناظم: سياسة قصيرة ومشكلات طويلة

في كل هذه الديموقراطيات، تظهر أعراض مشتركة:

- السياسات الاقتصادية تُحدّدها الانتخابات، لا الاستراتيجيات طويلة الأمد.

- الهيئات المستقلة تتعرض للضغط أو التسييس.

- الشعبوية تزاحم الاستثمارات في البنية التحتية والتعليم والإنتاجية.

والخسارة هنا لا تنحصر بثقة المستثمرين، بل تشمل أساس القوة الوطنية المستقبلية.

لماذا تخذلنا الدورات الانتخابية؟

الاقتصاد ليس منصة تواصل اجتماعي، بل هو نظام بطيء، يقوم على الثقة، ورأس المال، والاستمرارية. لم يُسجّل في التاريخ أي تحول اقتصادي حقيقي خلال دورة انتخابية واحدة.

وهنا يكمن التحدي أمام الديموقراطيات:

- الصين تُنفّذ خططا خماسية برؤى تمتد لعشرين عاما.

- الإمارات تضع استراتيجيات صناعية حتى عام 2050.

- أوروبا، رغم بيروقراطيتها، تُخطّط لمشاريع البنية التحتية على مدى 10 إلى 15 عاما.

في المقابل، تُدار الديموقراطيات بسياسات تفاعلية وإعلامية، لا ببوصلة استراتيجية.

ما الذي يجب تغييره؟

كي تبقى الديموقراطية قادرة على منافسة النماذج السلطوية، لا بد من إصلاح بنيتها الاقتصادية:

1. تحصين المؤسسات: يجب حماية البنوك المركزية والهيئات التنظيمية من تقلبات السياسة.

2. تمديد أفق السياسات: الخطط الاقتصادية الوطنية يجب أن تتجاوز أعمار السياسيين من خلال أطر تشريعية عابرة للأحزاب.

3. إعادة تثقيف الناخبين: على المواطنين أن يدركوا أن القوة الاقتصادية تُبنى في عقود، لا تُمنح كل أربعة أعوام.

بين الانهيار والتصحيح

قيمة الديموقراطية في المساءلة، لكن المساءلة بلا رؤية تُصبح ضربا من الانتحار المؤسسي.

في عام 2025، لم تُهزم الديموقراطيات من أعداء خارجيين، بل تتآكل من الداخل، عبر أنظمة تكافئ من هو أكثر شعبية لا من هو أكثر حنكة.

وإن استمر هذا الاتجاه، فإن الازدهار سيكون الضحية القادمة للشعبوية.

الآن هو الوقت المناسب لتعديل المسار. الانضباط يجب أن يعود إلى الديموقراطية، قبل أن تعجز عن تمويل مستقبلها.

* الرئيس التنفيذي لشركة «دو كابيتال في سي»، ومحاضر زائر في ريادة الأعمال، ومؤسس «الغرفة الإسلامية العالمية للتجارة والصناعة» عبر الإنترنت. وهو أيضاً متحدث عالمي في مجالات الاستراتيجية وتطوير الشركات الناشئة، ويُعرف برؤاه في الاقتصاد وبناء منظومات أعمال مبتكرة، وأخلاقية، وقابلة للتطوير.

كُنا قد تحدثنا في خبر وجهة نظر: الثغرة الاقتصادية للديموقراطية: السياسات العاجلة تهدد استقرار المستقبل - مصر نيوز بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا مصر نيوز الالكتروني.

أخبار محلية ودولية، من مصادرها الرسمية : مصدر المقال

على درغام

الكاتب

على درغام

كاتب صحفي رياضه، خرّيج كلية الإعلام - جامعة عين شمس، أعمل في عِدة جرائد رسمية، اكتب في موقع نايس كورة الاخباري منذ اكثر من عامين، جميع الاخبار تتم مراجعتها بعناية، ومن مصادرها الرسمية.

أخبار ذات صلة

0 تعليق